الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس **
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي حفظ السنة المصطفوية بأهل الحديث والصلاة والسلام على نبينا محمد المرسل بأصدق الكلام والحديث، وعلى آله وأصحابه الذين أعزوا دينه الصحيح بسيرهم في نصرته السير الحثيث، وعلى التابعين لهم بإحسان وسائر المؤمنين في القديم والحديث. أما بعد فيقول العبد الفقير إلى مولاه الفتاح، إسماعيل العجلوني بن محمد جَرّاح، أن الأحاديث المشتهرة على الألسنة قد كثرت (في الأصل "كثر" وهو جائز) فيها التصانيف، وقلما يخلو تصنيف منها عن فائدة لا توجد في غيره من التآليف، فأردت أن ألخص مما وقفت عليه منها مجموعا تقر به أعين المنصفين، ليكون مرجعا لي ولمن يرغب في تحصيل المهمات من المستفيدين، ولما أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما يلحق المؤمن من حسناته بعد موته علما نشره" وهو شامل للتصنيف والتعليم، وهو في التصنيف أظهر، لأنه أطول استمرارا وأكثر (في النسخة المصرية زيادة "انتشارا) ، وأنص إن شاء الله تعالى في هذا المجموع على بيان الحديث من غيره، وتمييز المقبول منه السالم من ضَيْرِه ([لعله "غيره" وأخطأ النساخ، أو لعله "ضيره"، كما أثبتناه، ومعناه "عليله"، أي عكس السالم: قال الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن: الضير: المضرّة، يقال: ضاره وضره. قال تعالى: ثم نقل فيها بسنده إلى أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلاك أمتي في ثلاث: في القدرية، والعصبية، والرواية من غير تثبت" لكنه منكر، وبسنده أيضا إلى ابن المبارك أنه قيل له في هذه الأحاديث الموضوعة، قال: يعيش لها الجهابذة، وبسنده إلى الإمام أحمد أنه قال: إن للناس في أرباضهم وعلى باب دورهم أحاديث يتحدثون بها عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نسمع نحن بشيء منها، ولذلك وجبت العناية بما وصل العلم إليه، ووقع الاطلاع عليه، قال الربيع بن خيثم: إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر، وقال ابن الجوزي: الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب، وينفر منه قلبه في الغالب؛ وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رفعه "إن لله تعالى عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عن دينه" انتهى. وإن من أعظم ما صنف في هذا الغرض، وأجمع ما ميز فيه السالم من العلة والمرض، الكتاب المسمى بالمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، المنسوب للإمام الحافظ الشهير أبي الخير شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، لكنه مشتمل على طول بسوق الأسانيد التي ليس لها كبير فائدة إلا للعالم الحاوي، ومن ثم لخصته في هذا الكتاب مقتصرا على مخرج الحديث وصحابيه روما للاختصار، غير مخل إن شاء الله تعالى بما اشتمل عليه مما يستطاب أو يستحسن عند أئمة الحديث الأخيار، وضاما إليه مما في كتب الأئمة المعتبرين كاللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة لأمير الحفاظ والمحدثين من المتأخرين الشهاب أحمد بن حجر العسقلاني، بلغنا الله وإياه في الدارين الأماني. واعلم أني حيث أقول قال في اللآلئ أو ذكرها فيها فالمراد به كتاب الحافظ العسقلاني المذكور، وحيث أقول قال في الأصل أو في المقاصد فمرادي به المقاصد الحسنة المذكورة، وحيث أقول قال في التمييز فمرادي الكتاب المسمى بتمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث للحافظ عبد الرحمن بن الديبع تلميذ الإمام السخاوي، فإنه اختصر المقاصد الحسنة لشيخه المذكور، لكنه أخل بأشياء مما فيه مسطور، وحيث أقول قال في الدرر فالمراد الكتاب المسمى بالدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للحافظ جلال الدين السيوطي، وهي نسختان صغرى وكبرى؛ وحيث أقول رواه أبو نعيم فمرادي في الحلية؛ وحيث أقول رواه الشيخان أو اتفقا عليه أو متفق عليه فالمراد أنه في الصحيحين لشيخي الحديث البخاري ومسلم، وإن كان في أحدهما قلت رواه البخاري أو مسلم، وحيث أقول رواه أحمد فالمراد الإمام أحمد في مسنده، وحيث أقول رواه البيهقي فالمراد في الشعب، وحيث أقول رواه الأربعة فالمراد أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه في سننهم، وحيث أقول رواه الستة فالمراد هؤلاء الأربعة والشيخان في الكتب الستة، وكذا إذا أفردت واحدا منهم فالمراد في كتابه أحد السنن الستة، وحيث أقول قاله النجم فالمراد شيخ مشايخنا العلامة محمد نجم الدين الغزي في كتابه المسمى إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن، وحيث أقول قال القاري فالمراد به الملا علي القاري في كتابه الموضوعات المسماة بالأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، وهي صغرى وكبرى وقد نقلت منهما، وحيث أقول قاله الصغاني فالمراد به العلامة حسن بن محمد الصغاني مؤلف المشارق. وما لم يكن كذلك في جميع ما مر فأنص على الكتاب الذي رواه مؤلفه فيه، وربما تعرضت لحديث ليس من المشهورات لمناسبة أو غيرها من المقاصد الصحيحات. هذا والحكم على الحديث بالوضع أو الصحة أو غيرهما إنما هو بحسب الظاهر للمحدثين باعتبار الإسناد أو غيره، لا باعتبار نفس الأمر والقطع لجواز أن يكون الصحيح مثلا - باعتبار نظر المحدث - موضوعا أو ضعيفا في نفس الأمر، وبالعكس ولو لما في الصحيحين على الصحيح، خلافا لابن الصلاح كما أشار إلى ذلك الحافظ العراقي في ألفيته بقوله: واقطع بصحة لما قد أسندا * كذا له، وقيل، ظنا ولدي محققيهم قد عزاه النووي * وفي الصحيح بعض شيء قد روي (زاد في المصرية بعد البيتين "مضعفا") نعم ("نعم" ساقطة من النسخة الشامية) المتواتر مطلقا قطعي النسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا، ومع كون الحديث يحتمل ذلك فيعمل بمقتضى ما يثبت عند المحدثين، ويترتب عليه الحكم الشرعي المستفاد منه للمستنبطين، وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس سره الأنور ما حاصله: فرب حديث يكون صحيحا من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعلم وضعه ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه، ورب حديث ترك العمل به لضعف طريقه من أجل وضاع في رواته يكون صحيحا في نفس الأمر لسماع المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. واعلم أن الحافظ جلال الدين السيوطي قال في خطبة جامعه الكبير ما حاصله: كل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول: فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن، وكل ما كان في كتاب الضعفاء للعقيلي ولابن عدي في الكامل وللخطيب البغدادي ولابن عساكر في تاريخه وللحكيم الترمذي في نوادر الأصول وللحاكم في تاريخه ولابن النجار في تاريخه وللديلمي في مسند الفردوس فهو ضعيف، فيستغنى عن بيان حاله بالعزو إليها أو إلى أحدها انتهى. لكنه مقيد بما لم يجبر بتعدد طرقه، وإلا فيصير حسنا لغيره فيعمل به، ولعل ما ذكره أغلبي، وإلا فيبعد كل البعد أنه لا يكون في كتاب منها حديث حسن أو صحيح فتأمل. وسميت ما جمعته من ذلك "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" ورتبته على حروف المعجم كأصله، ليكون أسهل في المراجعة لنقله، لكن لا أرمز بحروف إلى المخرجين كالنجم، بل أصرح بأسمائهم دفعا للبس والوهم، جعله الله خالصا لوجهه الكريم، وسببا للفوز بجنات النعيم، وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الله الملك المعبود.
|